للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى تأويله، ومثله أبو المعالي بقوله عليه السلام: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء"، وأن عمر راويه رضي الله عنه حمله على أن المراد به التقايض في المجلس، فوجب المصير إلى تأويله وصرف إلى أحد محتملاته.

وقد ذكر في هذا الباب رواية ابن عمر: "البيعان (ص ١٤١) بالخيار ما لم يفترقا"، وحمله ذلك على فرقة الأبدان. وهذا يحتاج إلى تحقيق وتفصيل، به يعرف في أي نوع يقع من التماثل، فإن قلنا: إن الافتراق ينطلق على افتراق الأبدان دون ما سوى ذلك، وما سوى فرقة الأبدان لا ينطلق عليه هذه التسمية لا حقيقة ولا مجازا، فإن هذا الحديث وتأويله لا مدخل له في هذا الباب، وإنما يكون كحديث رواه راو وعمل به.

وإن قلنا: إن هذه التسمية تنطلق على فرقة الأبدان وفرقة الأقوال حقيقة، ولكن لا نقول بالعموم بل نقف، كان مذهب ابن عمر كالبيان للمحتمل.

وإن قلنا: إنه ينطلق على الفرقة بالأقوال مجازا، ولكن لا يعم اللفظ في حقيقته ومجازه بل يحمل على الحقيقة خاصة، كان هذا أيضا لا مدخل له في هذا الباب.

وإن قلنا إنه يحمل على العموم فيهما، أو قلنا بحمله على العموم فيهما لأجل كون التسمية حقيقة فيهما كان هذا كالتخصيص للعموم.

فهذا تحقيق القول في تجويز هذا التمثيل، أطلق القول فيه المصنفون، وقد تكلمنا نحن في كتابنا المترجم بالمعلم عن هذا الحديث ومعناه، وما يعارض به، وما تؤول عليه، بما فيه كفاية.

وقد اعتذر أبو المعالي عن مخالفة الفقهاء لأحاديث رووها بأنه قد يكون لهم أصول تقتضي ترك الحديث، قد علم ذلك منهم، فلا يستنكر مخالفتهم لما رووه، ولا يعود ذلك بالقدح في الراوية، كما علم من أصل مالك رضي الله عنه في أنه يقدم عمل أهل المدينة على الحديث، فإذا لم يقل بفرقة الأبدان في البياعات فعذرة اتباع العمل المقدم عنده على الخبر.

كما قد علم أيضا أن من أصل أبي حنيفة أنه يقدم القياس على الخبر، إذا خالف خبرا رواه لقياس اقتضاه، فلا تستغرب مخالفته إياه ولا يعود بالقدح في روايته.

ومما عد في هذا الباب رواية أبي هريرة غسل الإناء من ولغ الكلب سبع مرات، وإباحته الاقتصار على الثلاث، وفتواه بالاقتصار على الثلاث مخالفة للعدد المحدود فيما رواه، وهو يعد في النوع الذي قدمناه من مخالفة الحديث التي هي بمعنى النسخ، لا بمعنى

<<  <   >  >>