للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنهم فإن خالطهم فلا بد له من المصابرة على إيذائهم وإيحاشهم، فإنه إن كان يطمع منهم في الخير والراحة لم يجد فيقع في الغموم والأحزان، فثبت أن من أراد مخالطة مع الخلق فلا بد له من الصبر الكثير، فأما إن ترك المخالطة فذاك هو الهجر الجميل، فثبت أنه لا بد لكل إنسان من أحد هذين الأمرين» (١).

والداعية الصابر محفوف بالرعاية الربانية كما حفظ الله نبيه وأمره بالصبر فقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (٢).

قال ابن كثير رحمه الله: «أي اصبر على أذاهم ولا تبالهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس» (٣).

وما الصبر إلا خلق سار عليه الدعاة وعلى رأسهم الأنبياء جميعًا يقول تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (٤).

قال الطبري رحمه الله: «وهذا تسلية من الله تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وتعزية له عما ناله من المساءة بتكذيب قومه إياه على ما جاءهم به من الحق من عند الله. يقول تعالى ذكره إن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون من قومك فيجحدوا نبوتك وينكروا آيات الله أنها من عنده؛ فلا يحزنك ذلك، واصبر على تكذيبهم إياك، وما تلقى منهم من المكروه في ذات الله حتى يأتي نصر الله؛ فقد كذبت رسل من قبلك أرسلتهم إلى أممهم فنالوهم بمكروه فصبروا على تكذيب قومهم إياهم ولم يثنهم ذلك من المضي لأمر الله الذي


(١) مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي الشافعي، ٣٠/ ١٩٥.
(٢) سورة الطور، الآية: ٤٨.
(٣) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، ٤/ ٢٤٦.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ٣٤.

<<  <   >  >>