للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تنال حظًّا من سيادة الله إلا إذا مرت بأدوار من العمل المضني والجهاد الشاق، وصبرت على تكاليف الرسالات التي تحملها، والتقدم الذي تنشده. والقرآن الكريم يذكر السر في تسويد الأقدمين. من بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (١).

«إذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها، وترادفت الضوائق وطال ليلها، فالصبر وحده هو الذي يشع للمسلم النور العاصم من التخبط، والهداية الواقية من القنوط. والصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه، ولا بد أن يبني عليها أعماله وآماله وإلا كان هازلًا .. يجب أن يوطن نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، وانتظار النتائج مهما بعدت، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، بقلب لم تعلق به ريبة، وعقل لا تطيش به كُربة، يجب أن يظل موفور الثقة بادي الثبات، لا يرتاع لغيمة تظهر في الأفق ولو تبعتها أخرى وأخرى، بل يبقى موقنًا بأن بوادر الصفو لا بد آتية، وأن من الحكمة ارتقابها في سكون ويقين. وقد أكد الله أن ابتلاء الناس لا محيص عنه، حتى يأخذوا أهبتهم للنوازل المتوقعة، فلا تذهلهم المفاجآت ويضرعوا لها» (٢).

إن من عوامل النجاح: ثقة الداعية بدعوته، وإيمانه الراسخ المطلق بأنها الحق الذي لا ريب فيه .. فهنا يتحول إلى قدوة في قوله وفعله، يتحول إلى إمام {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (٣).

فلا بد أن نكون دعاة صادقين وأئمة هادين مهديين، لا بد من الصبر على الدين، فلا تزحزحنا عنه أو عن بعض عقائده أو أحكامه استخفافات الذين لا يوقنون، ولا بد من اليقين المطلق الذي لا يقبل المراجعة أو الشك بأنه الحق.


(١) سورة السجدة، الآية: ٢٤.
(٢) خلق المسلم، الشيخ محمد الغزالي ص ١١٧، ط/ ٢، دار الكتب الإسلامية، القاهرة: ١٩٨٥ م.
(٣) سورة السجدة، الآية: ٢٤.

<<  <   >  >>