للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يزيل هذه الآلام، ويكشف هذه الكروب إلا الله علام الغيوب الذي يجيب المضطر إذا دعاه، والمسلم حالة في البأساء الصبر والإنابة إلى الله، يتوسل بالأسباب الموصلة إلى كشف المكروه، لا يستكين للحادثات، ولا يضعف أمام الملمات، يحاول التخلص منها في حزم الأقوياء وعزيمة الأصفياء، قدوته في ذلك سيد المرسلين، وإمام الصابرين، فقد حل به وبأصحابه الكرام من الشدائد والمحن والابتلاء ما تقشعر منه الأبدان، فما وهنوا، وما ضعفوا، وما استكانوا، بل قابلوا تلك الخطوب بالصبر والثبات: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (١).

وعن أبي عبد الله خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو متوسد بردًا له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تستغفر لنا، ألا تدعو لنا، فقال: «قد كان من قلبكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» (٢).

قال ابن بطال رحمه الله: (وقول خباب - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تدعو الله أن يكفينا» يعنى عدوان الكفار عليهم بمكة قبل هجرتهم وضربهم لهم وإيثاقهم بالحديد.

وفيه من الفقه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الدعاء في ذلك على أن الله أمرهم


(١) سورة آل عمران، الآيتان: ١٧٣ - ١٧٤.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، رقم ٣٤١٦.

<<  <   >  >>