للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْبَرِّ}، إذا ضللتم فيه فتحيَّرتم، فأظلم عليكم الهدى والمحجة، ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه، فأخطأتم فيه المحجة، فأظلم عليكم فيه السبيل، فلا تهتدون له، غير الله الذي إليه مفزعكم حينئذ بالدعاء {تَضَرُّعًا}، منكم إليه واستكانة جهرًا وخفية، يقول: وإخفاء للدعاء أحيانًا، وإعلانًا وإظهارًا تقولون: لئن أنجيتنا من هذه يا رب أي من هذه الظلمات التي نحن فيها، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، يقول: لنكونن ممن يوحدك بالشكر، ويخلص لك العبادة، دون من كنا نشركه معك في عبادتك.

وقوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} أي: قل لهؤلاء العادلين بربهم سواه من الآلهة، إذا أنت استفهمتم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البر والبحر: الله القادر على فرجكم عند حلول الكرب بكم، ينجيكم من عظيم النازل بكم في البر والبحر من همّ الضلال وخوف الهلاك، ومن كرب كل سوى ذلك وهمّ لا آلهتكم التي تشركون بها في عبادته، ولا أوثانكم التي تعبدونها من دونه، التي لا تقدر لكم على نفع ولا ضر، ثم أنتم بعد تفضيله عليكم بكشف النازل بكم من الكرب، ودفع الحالِّ بكم من جسيم الهم، تعدلون به آلهتكم وأصنامكم، فتشركونها في عبادتكم إياه. وذلك منكم جهل» (١).

وقال ابن كثير رحمه الله: «قال تعالى ممتنا على عباده في إنجائه المضطرين {مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي: الحائرين الواقعين في المهامه البرية، وفي اللجج البحرية إذا هاجت الريح العاصفة، فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (٢). وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ


(١) جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر ١١/ ٤١٤.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٦٧.

<<  <   >  >>