للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما نقص ذلك من ملكي شيئًا» ووجه ذلك: أن الفاجر عدو لله عزَّ وجلَّ فلا ينصر الله، ومع هذا لا ينقص من ملكه شيئًا لأن الله تعالى غني عنه. «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته» أي إذا قاموا في أرض واحدة منبسطة، وذلك لأنه كلما كثر الجمع كان ذلك أقرب إلى الإجابة.

«ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» وهذا من باب المبالغة في عدم النقص، لأن كل واحد يعلم أنك لو أدخلت المخيط وهو الإبرة الكبيرة في البحر ثم أخرجتها فإنها لا تنقص البحر شيئًا ولا تغيره» (١).

وقال ابن علان رحمه الله: «ففي ذلك إشارة إلى أن ملكه تعالى على غاية الكمال، لا يزيد بطاعة جميع الخلق وكونهم على أكمل صفات البر والتقوى، ولا ينقص بمعصيتهم، لأنه تعالى الغني المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله، الكامل فلا نقص يلحقه بوجه «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد» أي: أرض واحدة ومقام واحد «فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك» أي: إعطاء كل سائل مسئوله «مما عندي» من الخزائن الإلهية «إلا كما ينقص المخيط» هو بكسر فسكون ففتح: الإبرة: «إذا أدخل البحر» وهو في رأي العين لا ينقص شيئًا من البحر، فكذا الإعطاء من الخزائن الإلهية لا ينقصها شيئًا البتة، لأنها من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان ولا نهاية لهما، والنقص مما لا يتناهى محال بخلافه مما يتناهى، كالبحر وإن جل وعظم وكان أكبر المرئيات في الأرض، بل قد يؤخذ العطاء الكثير من المتناهي ولا ينقص، كالنار والعلم تقتبس منهما ما شاء الله ولا ينقص منهما شيء، بل قد يزيد العلم على


(١) التلخيص المعين على شرح الأربعين، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، إعداد: سلطان بن سراي الشمري، ص ١٢٣.

<<  <   >  >>