للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦]، وقال: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١]، فبني التنزيه عن الولد على استحالة أن يكون لرب العالم وخالقه مماثل من عباده المخلوقين المملوكين المحتاجين، لأن الولد يماثل أصله، ولا يكون إلا بين أصلين متماثلين، ولهذا أبطل أهل العلم بهذه النصوص حتى نظرية الفيض عند الفلاسفة. يقول ابن تيمية: "هؤلاء الآيات تضمنت إبطال ما كان يقوله مشركو العرب، وما يقوله أهل الكتاب، وما يقوله مشركو الصابئة وفلاسفتهم، الذين يقولون بتولد العقول والنفوس عنه، فقد بَيَّن سبحانه أنه مبدع السماوات والأرض، والإبداع خلق الشيء على غير مثال، بخلاف التولد الذي يقتضي تناسب الأصل والفرع وتجانسهما.

والإبداع خلق الشيء بمشيئة الخالق وقدرته مع استقلال الخالق به، وعدم وجود شريك له، والتولد لا يكون إلا بجزء من المولد بدون مشيئته وقدرته، ولا يكون إلا بانضمام أصل آخر إليه، قال تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: ١٠١]، فبَيَّن بطلان كون الولد له من غير صاحبة، لأن التولد لا يكون إلا من أصلين، وليس في الموجودات ما يكون وحده مولدا لشيء، بل قد خلق الله من كل شيء زوجين، وهو سبحانه الفرد الذي لا زوج له" (١).


(١) درء التعارض لابن تيمية ٧/ ٣٦٩ (بتصرف يسير)، وانظر: تفسير القرطبي ٧/ ٥٣، ٥٤، تفسير ابن كثير ٢/ ١٦٠، ٥٧٠، تفسير السعدي ١/ ١٢٩، ١٣٠، ٢/ ٢٢٦، ٣٢٦، ٣٢٧، ٣٤٥، ٣٤٦، ٥/ ١٣٩، ٤٥٦.

<<  <   >  >>