الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد تمدح الرب ـ تبارك وتعالى ـ بتفرده بالمثل الأعلى في قوله:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النحل: ٦٠]، وقوله:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الروم: ٢٧]، وجعله طريقا لمعرفته وعبادته، وبرهانا على توحيده وبطلان عبادة ما سواه، فالمعرفة المفصلة لا تحصل إلا بما جاء به الوحي من أخبار عن أسماء الله وأفعاله ومثله الأعلى الجامع لأنواع كمالاته، وتعلق القلوب برب العالمين محبة ورغبة ورهبة وتوكلا، وما يتبع ذلك من صدق العبادة والاستعانة والبراءة من الشرك بجميع أنواعه ومظاهره كل ذلك من آثار العلم بالمثل الأعلى، وصدق التحقق بمعرفة صفات الكمال. ولهذا جعل الله مثل السوء المتضمن لكل نقص وعيب للمشركين وآلهتهم المزعومة، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لكل كمال لله وحده، قال تعالى:{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}[النحل: ٦٠]. وعلى هذا الأساس المحكم قامت براهين التوحيد، الصريح منها وما كان عن طريق التشبيه وضرب الأمثال، لأن استحقاق العبادة دائر مع صفات الكمال وجودا وعدما، فمن جمعها فهو الإله الحق الذي له المثل الأعلى، ومن تجرد عنها فهو الإله الباطل الذي له مثل السوء!.