للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جناية التعطيل]

المعرفة التامة ناشئة عن العلم بصفات الله تعالى، وإثباتها دون تمثيل أو تعطيل، ولهذا تواطأت النصوص على بيان أسماء الرب وصفاته وأفعاله حتى كأن العباد ينظرون إليه فوق سماواته، مستو على عرشه، يكلم ملائكته، ويسمع أصوات خلقه، ويرى ظواهرهم وبواطنهم، ويدبر أمورهم، ويقضي حاجاتهم. قيل لعبد الله بن المبارك: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه (١).

فالإيمان بالصفات قاعدة الإيمان، وسبيل المعرفة المفصلة برب العالمين. وقد قعدت المعطلة على رأس هذا الطريق تنفر الناس عن سلوكه بألفاظ ظاهرها يوهم التنزيه عن النقائص والعيوب والحاجة، وحقيقتها تعني تعطيل أوصاف الكمال كليا أو جزئيا، كالتنزيه عن الأعراض والأبعاض والأغراض، ونفي التجدد والتحدد، حتى راجت مقالاتهم على كثير من المسلمين، ونفرت قلوبهم عن طريق الصفات، وحيل بينهم وبين أعظم طرق المعرفة، ولهذا كان المعطلة حقا كما قيل: قطاع الطريق على القلوب! (٢).

وقد تولد عن هذه الجناية العظمى جنايات كثيرة، منها:

١ - تعطيل أعمال القلوب: فإن المعرفة الحق بصفات الإلهية هي القوة الجاذبة إلى محبة الرب، والرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه، فإذا عطلوا الأصل، وأنكروا الصفات، تعطل الفرع ولابد، ولهذا ضربت قلوبهم بالقسوة، وظهرت آثارها على كلامهم


(١) مدارج السالكين ٣/ ٣٤١.
(٢) انظر: المرجع السابق ٣/ ١٧، ٢٣، ٣٨، ٣٩، ٣٤٨، ٣٤٩.

<<  <   >  >>