للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعباداتهم، حتى آل الأمر ببعضهم إلى فعل المحرمات وترك العبادات الظاهرة، كما يذكر عن النَّظَّام وثمامة بن أشرس، وأبي هاشم وغيرهم! (١).

وكذلك فإن المعرفة بصفات الربوبية تورث المؤمن عبادة التوكل، فإن أساس التوكل الإيمان بقدرة الرب وقيوميته، وعلمه، ومشيئته، فإذا عطلوا هذه الصفات تعطل التوكل حتما، ولهذا قال ابن تيمية: "لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف، ولا من القدرية النفاة القائلين: بأنه يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يستقيم أيضا من الجهمية النفاة لصفات الرب ـ جل جلاله ـ. ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات، فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه؟! ولا هو فاعل باختياره؟! ولا له إرادة ولا مشيئة، ولا يقوم به صفة؟! فكل من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأقوى" (٢).

فالمعطل لا يتصور منه عبادة ولا استعانة، ولا شيء مما يتفرع عن هذين الأصلين من أعمال القلوب، إذ كل ذلك ناشئ عن إثبات الصفات، والتحقق بمعرفة حقائقها ومعانيها. يقول ابن القيم: "كيف تصمد القلوب إلى من ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلا به ولا منفصلا عنه، ولا مباينا له ولا محايثا، بل حظ العرش منه كحظ الآبار والوهاد، والأماكن التي يرغب عن ذكرها؟!


(١) انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص١٥، الفرق بين الفرق للبغدادي ص١٧٢ - ١٧٤، ١٩١، مدارج السالكين لابن القيم ٣/ ٢٣، ٢٦، ٣٥١.
(٢) مدارج السالكين ٢/ ١١٨ [ويبدو أن النقل كان مشافهة].

<<  <   >  >>