للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رابعا: التنزيه عن السلب المحض]

ثبوت المثل الأعلى أو الكمال المطلق يعني اتصاف الرب بالصفات الوجودية دون الصفات السلبية المحضة، لأنها عدم محض، والعدم ليس بشيء فضلا عن أن يكون كمالا، ولأنها تكون صفة لما لا كمال فيه، كالمعدوم والممتنع، ولهذا كانت صفات الكمال الثابتة بنصوص القرآن والسنة تدل صراحة أو تضمنا على معان وجودية سواء كانت صفات ثبوتية أو سلبية (١).

فالصفات الوجودية تعم كل ما دل صراحة على ثبوت كمال وجودي، فيدخل في ذلك الصفات الذاتية، كالوجه واليدين، والصفات الاختيارية سواء كانت فعلا أو قولا أو حالا أو إدراكا، كالاستواء والنداء والرضا والبصر (٢). قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧]، وقال: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، وقال: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} [مريم: ٥٢]، وقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: ١١٩]، وقال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦].

والصفات السلبية تعم كل ما دل صراحة على نفي نقص متصل أو منفصل، ودل تضمنا على ثبوت كمال وجودي، كقوله تعالى: {لَا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: ٢٥٥]، فصرح بانتفاء السنة والنوم، وذلك يتضمن إثبات كمال الحياة والقيام، وقوله: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ: ٣]، فنفى العزوب لكمال العلم، وقوله: {وَمَا


(١) انظر: الرسالة التدمرية لابن تيمية ص٧٥ - ٦٠.
(٢) انظر: درء التعارض ٤/ ٢٣.

<<  <   >  >>