من تخريج عباراتهم على ما يوافق مذهب الخلف، كما فعل بعض المفسرين بما نقل عنهم من تفسير المثل الأعلى بالشهادة بأن مرادهم الوصف بوحدانية الذات والصفات، أي توحيد الربوبية، وكما حمل آخرون تفسيرهم للمثل الأعلى بنفي المثل على نفي الصفات! وهذا ونظائره خروج بعباراتهم عن أصولهم وقواعدهم المعروفة، ومن هنا تبرز ضرورة تأمل عباراتهم حتى يصل الباحث لمرادهم الحقيقي، وحتى يتمكن من فهم حقيقة اختلاف عباراتهم في كل مسألة: هل هو خلاف حقيقي، أو مجرد اختلاف في المدارك والعبارات وتفسير للفظ ببعض أفراد معناه؟.
٤ - ثبوت المثل الأعلى لله وحده يقتضي بالضرورة إمكان وجود الصفة، وإمكان متعلقها إذا دلت على صفة متعدية، لأن الكمال لا يكون إلا بالحقائق الممكنة، ولهذا لا يجوز أن يفترض أن فعل الممتنع لذاته من الكمال، كما لا يجوز إخراج الصفات الاختيارية من نطاق الكمال، لأن وجودها الممكن إنما يكون على سبيل التعاقب!.
٥ - ثبوت المثل الأعلى يعني تفرد الرب بالكمال المطلق، وهو اسم جامع لصفات الكمال الوجودية المحضة التي لا تستلزم نقصا، ولا تشعر به بوجه من الوجوه، وهذا المعنى يتضمن تنزيه الرب عن ثلاثة أنواع من الصفات:
أ - صفات النقص النسبي: وهي ما كانت كمالا في المخلوق دون الخالق، وذلك لدلالتها على الحدوث والعدم والافتقار، وعلى وجود نظير يشارك الرب فيما تفرد به من الكمال، وما يجب له وحده من الحقوق. وهذا يبطل مسلك الضلال من اليهود والنصارى