للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم خمسين يومًا من الهجران، إلى أن نزلت توبته، عاش كل ذلك الضيق نتيجة تباطؤ وقع فيه، أو تسويف انزلق إليه.

وصاحب الهمة سباق إلى الخيرات في أغلب الأوقات، وكذلك كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلما ضعف الإيمان ضعفت معه الهمة إلى الطاعات، ومن تصوير سيد قطب لنفسية المنافقين الكسالى قوله: (إن هؤلاء لهم نموذج لضعف الهمة، وطراوة الإرادة، وكثيرون هم الذين يشفقون من المتاعب، وينفرون من الجهد، ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم، ويفضلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز، وهم يتساقطون إعياء خلف الصفوف الجادة الزاحفة ..) (١).

ويحدو المسلم ويجدد همته تذكر ما أعده الله له من الأجر والرضا والنعيم، وهذا ما عبَّر عنه ابن القيم بقوله: (كلما سكنت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل، وعدها قرب التلاقي، وبرد العيش عند الوصول، فيحدث لها ذلك نشاطًا وفرحًا وهمة، فهو يقول: يا نفس، أبشري فقد قرب المنزل، ودنا التلاقي، فلا تنقطعي في الطريق دون الوصول، فيحال بينك وبين منازل الأحبة ..) (٢).

ولابد لصاحب الهمة من أن يكون معلق القلب بالله، مخلصًا له، فنفوس الأشقياء {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: ٣، ٤] وتكون النار بعد كل السعي والجهد المشوب بالرياء أو الشرك حرقة بعد حرقة. وأما في الدنيا فإن أهل الهمة يجدون أنفسهم مدفوعين من داخل قلوبهم إلى أمرٍ ملك عليهم أفئدتهم،


(١) في ظلال القرآن ٣/ ١٦٨٢.
(٢) طريق الهجرتين لابن القيم ص ٣٣٣.

<<  <   >  >>