للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقتُه، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب) (١)، وفي رواية أخرى أنه كُلِّف بتعلم السريانية، فتعلمها في سبعة عشر يومًا، ومثل هذه الطاقة لا تتوفر إلا إذا كان وراءها همة قوية ونشاط عال.

ومن صور الهمة: الثبات على الخير، والاستمرار فيه، والدوام عليه، وهذا شأن رجال القدوة في كل زمان، سئلت عائشة رضي الله عنها عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: (كان عمله ديمة، ويكم يستطيع ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع؟) (٢).

والتأخير والتسويف صورة من صور الضعف البشري التي قد تعتري صاحب الهمة، فيفوته خير كثير، وهذا ما أحرق قلبَ كعب بن مالك إذ فاته الغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وهو مطمئن بأنه مستعد ومتجهز ولديه عدته، ثم وهو يحدث نفسه بأنه يمكن أن يلحق به ويدركه، ثم كان أن قال: (وتفارط الغزو - أي فات وقته - وهممت أن أرتحل فأدركهم - ليتني فعلت - فلم يُقدَّر لي ذلك ..) (٣).

وعاش بعدها كعب فترة من العذاب النفسي حينما رجع


(١) مسند أحمد ٥/ ١٨٦، أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا، وقال الترمذي: حسن صحيح (انظر بلوغ الأماني ٢٢/ ٢٤٢)، وحديث تعلم السريانية عند أحمد ٥/ ١٨٢، وذكر الرواتيتين (تعلم اليهودية والسريانية) في صحيح سنن الترمذي للألباني - كتاب العلم - باب ٢٢ - الحديث ٢١٨٣/ ٢٨٧٠ (حسن صحيح).
(٢) صحيح البخاري - كتاب الرقاق - باب ١٨ - الحديث ٦٤٦٦ (فتح الباري ١١/ ٢٩٤).
(٣) صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب ٧٩ - الحديث ٤٤١٨ (فتح الباري ٨/ ١١٣).

<<  <   >  >>