للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا بمكة) (١)، لا شك أنها من أرقى صور الإيثار والتجرد.

ويروي أبو هريرة أنه أتى خَيْبر مع رهط من قومه، وقد فُتِحت خَيْبر على النبي - صلى الله عليه وسلم -، (فكلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين، فأشركونا في سهامهم) (٢).

إذا لم تكن النفوس تطيب بمثل هذا، فسوف تفتقدها في ميادين التضحية، وسوف لا تجدها عند الهَيْعة ومظانِّ الموت.

ونُقِل عن عمر أيضًا قوله في الأسرى: (لأن أستنقذ رجلًا من المسلمين من أيدي الكفار أحبُّ إليَّ من جزيرة العرب) (٣).

وحين يفرز الجهاد أرامل وأيتامًا ومُعوَّقين، فليس من الوفاء تغافلهم، بعد أن قدم أولياؤهم الروح في سبيل الله، ولذلك اعتبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار» (٤)، بل وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافل اليتيم بأن يكون رفيقه في الجنة (٥)، وكذلك التكافل مع مَن أوذي في الله، أو أصيب في سبيل الله، وإن الواقع العملي لمجتمع المسلمين الأول، ليمثل أسمى صور التكافل، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دخل عليه رجل أصيب في وجهه في غزوة فأمر بإعطائه ألف درهم، وكل ساعة يزيده ألفًا، حتى استحيا الرجل فخرج، فقال


(١) صحيح سنن ابن ماجه - كتاب الجهاد - باب ٣٢ - الحديث ٢٢٩٧ (حسن).
(٢) مسند أحمد ٢/ ٣٤٥ - وسنده جيد (بلوغ الأماني ٢٢/ ١٢٦).
(٣) حياة الصحابة ٢/ ٤٠٨ حيث عزاه إلى ابن أبي شيبة - كما في الكنز -.
(٤) صحيح البخاري - كتاب النفقات - باب ١ - الحديث ٥٣٥٣ (الفتح ٩/ ٤٩٧).
(٥) إشارة إلى حديث البخاري - في كتاب الطلاق - باب ٢٥ - الحديث ٥٣٠٤ (الفتح ٩/ ٤٣٩).

<<  <   >  >>