للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء، إنما أنت والٍ ومؤدِّب، وصَمَت عليٌّ، فأقبل عليه عمر، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك، فلم ينصحوا لك، إن دِيَتَه عليك؛ لأنك أفزعتَها فألقته، وضمن عمر دية الجنين (١).

بهذه الصراحة كانت الحقوق لا تُغمط، وكان أصحاب الحقوق لا يتتَعْتَعِّون في نيل حقوقهم.

والمؤمن صريح، لا يعرف النفاق والتحايل، لذلك فإنه يتعامل بوجه واحد، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المذبذَبين والمتملقين: «تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه» (٢).

وفي بيان ذي الوجهين قال في الفتح: (قال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق، ومحض كذب وخداع، وتحيُّل على الاطِّلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة، قال: فأمَّا مَن يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود، وقال غيره: المحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليه ما أمكنه من الجميل، ويستر القبيح) (٣).

ولعلم الإنسان بضعف نفسه، فإن كثيرًا من المواقف تقتضي منه الصراحة، تجنبًا لسوء تصرف قد يصدر منه، أو من غيره، ولذلك قال


(١) عن المغني ١٢/ ٣٥، ١٠١ ط القاهرة ١٩٩٠ - والقصة في مصنف عبد الرازق (كتاب العقول - باب من أفزعه السلطان).
(٢) صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب ٥٢ - الحديث ٦٠٥٨ (الفتح ١٠/ ٤٧٤).
(٣) فتح الباري ١٠/ ٤٧٥.

<<  <   >  >>