للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ...) (١).

وما شُرِعت الاستعاذة من {شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (٢)، إلا لما يدفعه إليه تنافسه غير الشريف: من كيد، ومكر، وحيلة، ووقيعة، وما ذنب المحسود إلا الله فضَّله ببعض نعمه، أو وفَّقه لاغتنام وقته وقدراته، إلى أن حاز قدم السبق، وصار محطَّ الأنظار.

يقول الشوكاني: (ومعنى إذا حسد: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود) (٣).

وقد تتكرَّر قصة ابني آدم: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: ٢٧]، والسعيد مَن ثبَّته الله على ألا يقابل الإساءة بالإساءة كما فعل ابن آدم الأول حين قال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٨]، وتتكرَّر القصة في أبناء آدم حسدًا على دنيا، أو غيرة من صلاح وهمة أو غير ذلك.

ومن أقبح الحسد: ما يكون من المنعَّمين والسبَّاقين في كثير من مجالات الحياة، وكأنما يريدون احتكارها لأنفسهم.

يقول صاحب الظلال: (إنه لمن آلام الحسد: أن يحسد ذو النِّعمة الموهوب، لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة، أما أن يحسد المغمور بالنعمة فهذا هو الشر الأصيل العميق ..) (٤).


(١) هذه الأقوال منقولة من الجامع لأحكام القرآن ٥/ ٢٥١ من تفسير الآية ٥٥ من سورة النساء.
(٢) من الآية (٥) من سورة الفلق.
(٣) فتح القدير الشوكاني ٥/ ٥٢١ عند تفسير سورة الفلق.
(٤) في ظلال القرآن ٢/ ٦٨٣ من ظلال الآية ٥٥ من سورة النساء.

<<  <   >  >>