للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرخص. ولذلك لمّا رأى ابن عباس أخاه عبيد الله صائمًا يوم عرفة حذّره بقوله: (إنكم أئمة يُقتدى بكم) (١)، ولما نهى عمر - رضي الله عنه - عنه عبدالرحمن بن عوف عن لبس الخفَّين في الحج - أخذًا بالرخصة في ذلك - لخشية عمر أن يتوسع الناس في ذلك، قال له: (عزمت عليك إلا نزعتَها، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك، فيقتدون بك) (٢)، ومثل هذا الموقف تكرر في استنكار عمر على طلحة حين رآه يلبس ثوبًا مصبوغًا وهو مُحرِم، فقال له: (إنكم - أيها الرهط - أئمة يقتدي بكم الناس) (٣).

إن أبا سفيان وهو على كفره حين سأله هرقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشي أن يكذب وهو كبير قومه فيتناقلها الناس، فقال: (فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبًا لكذبت عنه) (٤)، أفليس عباد الرحمن أجدر بتلك الرجولة وذلك الحياء.

صاحب الإمامة وحسن الأسوة، لا يستأثر بدنيا على إخوانه، فإن للإمرة ضريبتَها، وللرجولة ثمنها، ولا تُنال الرفعة في الدين إلا بالمجاهدة، ولذلك حين جاءت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشكو من تشقق يديها من الطحن بالرحى، وتطلب خادمًا فلم تُعطَ (٥)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يجوع حتى يضع الحجارة على بطنه؛ لتخفف من جوعه، وينام


(١) مسند أحمد ١/ ٣٤٦.
(٢) مسند أحمد ١/ ١٩٢.
(٣) موطأ مالك (١/ ٣٢٦) الحديث ١٠ من كتاب الحج باب ٤.
(٤) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - باب ٦ - الحديث ٧ (فتح الباري ١/ ٣١).
(٥) صحيح البخاري - كتاب فضائل الصحابة - باب ٩ - الحديث ٣٧٠٥ (الفتح ٧/ ٧١).

<<  <   >  >>