للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن العبد المحفوف بالنعيم قد يكون مُستدرَجًا لمزيد من المسؤولية والعذاب وهو لا يدري «إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج» (١)، فلا تحزن على ما فاتك منها، ولا تمُدنَّ عينَيْك إلى ما أوتي الناس من الدنيا فربما كانوا لا يحسدون عليها إذا لم يؤدُّوا حقها.

والخطورة في أن تكون هذه النِّعم الأجر العاجل ليُحرَم صاحبها الأجر الآجل حيث يكون في أشد الحاجة لما يرجح كف حسناته؛ ولذلك طيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاطر أصحابه حين ذكروا نعيم الروم والفرس، فقال: «أولئك قوم عُجِّلت لهم طيِّباتُهم في الحياة الدنيا» (٢).

وغالب حال الناس كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «أكثر الناس شبعًا في الدنيا أطولهم جوعًا في الآخرة» (٣)، وذلك لقلة الشاكرين، وكما قال ربنا عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ١٨].

وكل نعمة مهما صغرت، عليها حساب ومسؤولية، فالمسكين مَن لم يقم بحقها لا من حرم منها في الدنيا: «إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصحَّ لك جسمك ونُروِيَك من الماء البارد؟» (٤).

ولذلك كان من علامة طريق الجنة أنه محفوفٌ بالبلاء، ولا يهون


(١) صحيح الجامع برقم ٥٦١ (صحيح).
(٢) صحيح البخاري - كتاب المظالم - باب ٢٥ - الحديث ٢٤٦٨ (الفتح ٥/ ١١٦)
(٣) صحيح الجامع برقم ١١٩٩ (حسن)
(٤) صحيح الجامع برقم ٢٠٢٢ (صحيح).

<<  <   >  >>