للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفتون» (١) ويؤكد ذلك ما رواه ابن عساكر مرسلاً: «ما أنكره قلبك فدعه» (٢).

وأصحاب المراتب العالية يحتاطون لأنفسهم بالحذر من بعض الحلال الذي قد يُفضِي إلى شيء من المكروه أو الحرام، فقد ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به البأس» (٣)، ويُؤكِّده الحديث الآخر: «اجعلوا بينكم وبين الحرام سترًا من الحلال ...» (٤)، ومن لطيف ما حدَّث به ابن القيم - رحمه الله - (قال لي يومًا شيخ الإسلام ابن تميمة - قدس الله روحه - في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العالية، وإن لم يكن تركه شرطًا في النجاة) (٥).

وكما يشمل الورع صور الكسب والمعاملات فإنه يشمل اللسان. فقد تجد كثيرا من الناس يندفعون إلى الفتوى وهم لا يعلمون؛ ولذلك عقد الدارمي بابًا في (التورُّع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة).

ويعتبر إسحاق بن خلف الورعَ في الكلام أشدَّ من الورع في التعاملات المالية؛ حيث يقول: (الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة ..) (٦).

ومِن تأمُّلِ ابن القيم في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلن أنه (جمع


(١) صحيح الجامع برقم ٢٨٨١ (صحيح).
(٢) صحيح الجامع برقم ٥٥٦٤ (صحيح).
(٣) أخرجه الترمذي - حسنه الترمذي وغيره (جامع الأصول ٤/ ٦٨٢ الحديث ٢٧٩١).
(٤) صحيح الجامع برقم ١٥٢ (صحيح).
(٥) تهذيب مدارج السالكين ص ٢٩٢.
(٦) تهذيب مدارج السالكين ص ٢٩٠.

<<  <   >  >>