للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ...} [الإسراء: ٧٤، ٧٥]، فليحذر الدعاة وهم يواجهون الطغاة من زلزلة الأقدام وزعزعة الولاء.

وقد حذَّر حذيفة العلماء العباد لأنهم قدوة: (يا معشر القراء استقيموا، فإن أخذتُم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا) (١)، ولو أن ضلال المتذبذب يمينًا وشمالاً يقتصر عليه لهان الأمر، ولكن يفتن بضلاله آخرون.

وقد كان من وسائل أهل الكتاب في زعزعة صفوف المسلمين أن يتظاهروا بالدخول في الإسلام، ثم يرتدون ليرتد معهم آخرون {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل العمران: ٧٢]، فالسعيد مَن وفقه الله للثبات، وختم له بخير ومات وهو يعمل عمل أهل الجنة إلى أن يرزقه الله التثبيت حين يسأل.

ولو تأملت في أحاديث الحوض من صحيح مسلم لوجدت أناسًا مُنعوا منه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، فيدعو عليهم رسول الله «سحقًا سحقًا لمن غير بعدي»، وفي رواية أخرى يقال له «والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم»، فكان ابن أبي مُلَيكة - أحد رواة هذا الحديث - يقول: (اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا) (٢)، وكلمة "ما برحوا يرجعون" توحي بالتراجع البطيء المتواصل المؤدي إلى


(١) صحيح البخاري - كتاب الاعتصام - باب ٢ - الحديث ٧٢٨٢ (الفتح ١٣/ ٢٥٠).
(٢) صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب ٩ - الأحاديث ٢٢٨٩ - ٢٢٩٥ (شرح النووي ٨/ ٥٨).

<<  <   >  >>