للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعذَّبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم مثلما أصابهم» (١).

ومن المواقف التي تقتضي التأثر: رؤية ما يغضب الله، أو ينفر الناس من الدعوة، فقد شكا رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طول صلاة إمامهن يقول أبو مسعود الأنصاري:) فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في موعظة أشد غضبًا من يومئذ ((٢).

والحري بأن يكون أكثر الناس إحساسًا بإخوانه، وتأثرا لما يحبه الله أو يبغضه، ولما يفرح المؤمنين أو يغيظهم، الحري بذلك أكثر من غيره، من كان أكثر علمًان فمزيد العلم يزيد الخشية، فإذا لم يتفاعل المرء مع ما يتعلم لم يرقَّ قلبه ولم يخشع، وقد استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع (٣)، ولذلك لو وصل علمنا، إلى ما وصل إليه علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لضحكنا قليلًا، ولبكينا كثيرًا (٤)، وقد كان الصالحون من سلف الأمة يتعهدون قلوبهم، فيقارنون بين حقيقة حالهم، ومحتوى أقوالهم، يقول إبراهيم التيمي: (ما عرضت قولي على عملي، إلا خشيت أن أكون مكذبًا) (٥).

إن القلوب إذا طال عليها الأمد قست، وإذا ذكرت لانت ورقت، وتأثرت وشفت، وذلك حال المؤمنين حقًّا: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢].


(١) صحيح البخاري - كتاب الصلاة - باب ٥٣ - الحديث ٤٣٣ (الفتح ١/ ٥٣٠).
(٢) صحيح البخاري - كتاب العلم - باب ٢٨ - الحديث ٩٠ (الفتح ١/ ١٨٦).
(٣) يراجع مسند أحمد ٢/ ١٦٧، وصحيح سنن النسائي ٣/ ١١١٢.
(٤) يراجع صحيح البخاري الحديث ١٠٤٤ (الفتح ٢/ ٥٢٩).
(٥) صحيح البخاري= كتاب الإيمان - من ترجمة الباب ٣٦ (الفتح ١/ ١٠٩)،

<<  <   >  >>