للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عوامل الضعف البشري.

ولما نزلت آية القذف تشترط أربعة شهود، تساءل سعد بن عبادة: «أهكذا نزلت يا رسول الله؟!»، فتعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - من تساؤله، غير أن الأنصار قالوا: «يا رسول الله! لا تلمه؛ فإنه رجل غيور» ثم تكلم سعد: «والله يا رسول الله! إنى لأعلم أنها حق، وأنها من الله تعالى» (١)، ووضح سبب تساؤله، بأنه لو ذهب يبحث عن أربعة شهود، يكون الزاني قد قضى حاجته، فقبِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذره، وأعلمه أن الله أغير منه، وهكذا إن كان لأخيك طباع خاصة تدفعه إلى سلوك لا ترضاه فتأول له، وأرفق به، واستوضحه.

وإن من دواعي الأعذار توقع الجهل من المذنب ففي حديث ماعز أنه لما جاء يعترف بالزنا قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت»، يقول ابن عباس: (كأنه يخاف ألا يدري ما الزنا) (٢)، فخشية أن يكون قد جهل المعنى الشرعي للزنا استفسر، فلما تحقق من وقوعه فيما لا يحتمل الشك، أقام عليه الحد الشرعي.

ومن شواهد الأعذار بالجهل قصة رجل ممن قبلنا، «طلب من بنيه أن يُحرقوه إذا مات، ويذروه في الريح؛ حتى لا يقدر الله على جمعه وتعذيبه - بظنه - فجمعه الله، وسأله ما دفعك إلى هذا؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر الله له» (٣)، واستدل بعض العلماء بذلك على أعذار هذا


(١) مسند أحمد ١/ ٢٣٨. والقصة عن البخاري (حدود - باب ٤٠) ومسلم (اللعان - باب ١٦).
(٢) هذا جمع بين رواية البخاري (حدود - باب ٢٨ - الحديث ٦٨٢٤) ورواية مسند أحمد ١/ ٣٢٥، وموضع الشاهد من رواية أحمد.
(٣) صحيح البخاري - كتاب الأنبياء - باب ٥٤ - الحديث ٣٤٨١. وله روايات عديدة ويراجع فتح الباري ٦/ ٥٢٢ - ٥٢٣.

<<  <   >  >>