للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرجل بجهله في مسألة من مسائل العقيدة، أو أعذاره بشدة خوفه من الموت، وأنه لم يقصد حقيقة ما قال، أفلا تعذر أخاك بجهله فيما هو أدنى من هذا؟! مع أن هذا في حق الله، أفلا تعذر في حق نفسك؟ قال ابن القيم: (من أساء إليك، ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته - حقًّا كانت أو باطلًا - وتكل سريرته إلى الله) (١)، فكن متواضعًا واعذِرْ.

وإنَّ بعض جوانب الخير في شخصية أخيك المسلم لتدعوك أن تعذِرَه، بأن الشر ليس أصيلًا في نفسه، وفي صحيح البخاري أن رجلًا جلد بشرب الخمر، فلعنه رجل من القوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله» (٢)، فالأعذار بلمسة الحنان والرفق والإعانة على الشيطان، فيما عدا الحد فإنه حق الله، ولا رأفة فيه إذا ثبت، يقول ابن القيم: (الله عز وجل أرحم وأغنى وأعدل من أن يعاقب صاحب عذر، والثابت أنه لا عذر لأحد البتة في معصية الله ومخالفه أمره، مع علمه بذلك، وتمكنه من الفعل والترك) (٣)، فإنه لا تعارض بين وجوب الأعذار، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكم تكون ظالماً حين تتهم النيات! وكم تكون متكبرًا حين تستعلي على عذر أخيك.

بالأعذار تستطيب القلوب، وتقضي على بذرة الشر، وتستأصل الضغينة، وتعين على التوبة، فلنخذل


(١) تهذيب مدارج السالكين - منزلة التواضع - ص ٤٣٣.
(٢) صحيح البخاري - كتاب الحود - باب ٥ - الحديث ٦٧٨٠.
(٣) تهذيب مدارج السالكين - منزلة التوبة ص ١٢٦.

<<  <   >  >>