للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليست المسألةُ مسألة تخلُّف وعد الله - حاشاه سبحانه - ولكنها مسألة التوقيت المقدور، والأجل المحدود، الذي لا يتقدَّم لاستعجال متعجِّلٍ، ولا يتأخر لهوى كسول، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز كثيرًا ما يدعو: (اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته) (١)، وبهذه النفسية تزول ظاهرة الاستعمال، ويطمئن القلب بأن العاقبة للمتقين.

ولئن مرَّت الأمة بفترات ضعف، فلا ننسى أنها تقادير الله، الذي يقدر على إعادة عزٍّ ضاع، واسترجاع سيادة مضت، وشأن البشر الصعود والنزول، كما في الحديث: «مَثَل المؤمن مَثَل السنبلة؛ تميل أحيانًا وتقوم أحيانًا» (٢)، المهم أنها تقوم يومًا ما - وتلك سنة كونية - وهذا اليوم آتٍ لا محالة، إذا توفرت الأسباب.

وهكذا مضت سنة الله في الأمم، كما في الحديث: «عُرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد ...» (٣).

ومع ذلك استمرت الدعوة، وستبقى مهما لقيت من الضعف في بعض الأزمان، ولن يعيب النبيَّ الذي ليس معه أحد أنه لم يهتدِ على يديه أحد، رغم بذلِه جهدَه في دعوته، كما لا يعيب المجاهدَ ألا يصل إلى النصر رغم طول جهاده، إنما يَعيبُنا التقصير في أخذ الأسباب، والبخل بالجهد المستطاع - وإن قلَّ - والباقي


(١) تهذيب مدارج السالكين - منزلة الرضا - ص ٣٨٠.
(٢) صحيح الجامع برقم ٥٨٤٥ (صحيح)، وبرقم ٥٨٤٤ رواية: «تستقيم مرة، وتخر مرة» (صحيح).
(٣) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب ٩٤ - الحديث ٣٧٤/ ٢٢٠ (ِشرح النووي ٣/ ٩٣).

<<  <   >  >>