للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتؤدة، والاقتصاد، جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة» (١).

وحين نستنكر الغلو، فإننا ننكر الإفراط بشدة الإقبال والالتزام المفضي إلى الترك، أو الملل أو الخروج عن القصد، بسبب المبالغة في النوافل، أو العمل على جهل وغفلة، كما ننكر التفريط والتهاون بشدة التكاسل والتقصير والإعراض والانفلات، ولكن الثاني تستنكره الطباع السليمة عادة، أما الأول فهو الذي يغتر به النغترون، ويلتبس على كثير من الناس، وهو الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هلك المتنطعون» (٢)، وحذر منه بقوله: «يا أيها الناس، إيَّاكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (٣)، قال القرطبي في الخوارج: (لما حكموا بكفر من خالفهم، استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذمة، فقالوا: نفي لهم بعهدهم، وتركوا قتال المشركين، واشتغلوا بقتال المسلمين، وهذا كله من آثار عبادة الجهال، الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم، ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم ..) (٤).


(١) صحيح الجامع - الحديث ٣٦٩٢ (حسن) عن عبد لله بن سرجس مرفوعاً. ونقل الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية الموطأ قول الباجي: (يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها، وجبلوا على التزامها - قال: ونعتقد هذه التجزئة ولا ندري وجهها، يعني لأن ذلك من علوم النبوة فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود).
(٢) صحيح مسلم - كتاب العلم - باب ٤ - الحديث ٢٦٧٠ (شرح النووي ١٦/ ٤٦١).
(٣) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب المناسك - باب ٦٣ - الحديث ٢٤٥٥/ ٣٠٢٩ (صحيح).
(٤) نقلاً عن فتح الباري ١٢/ ٣٠١ - النرتدين - باب ٧ - وعزاه ابن حجر إلى كتاب المفهم للقرطبي.

<<  <   >  >>