للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعلق ابن حجر على نتائج الغلو فيقول: (.. من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينًا على دين الإِسلام) وحذَّر من الاغترار بالغالين في بعض صور العبادة، وأن ذلك لا يكفي دليلًا على الصلاح، فقال: (لا يُكتفى في التعديل بظاهر الحال، ولو بلغ المشهود له بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع، حتى يُختبر باطنه) (١).

وإنه لمن الغلو في الدين، ومن مجانبة القصد، أخذ النفس بالعزيمة؛ فيما ترخَّص به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك يقول: «ما بال أقوام يتنَزَّهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني أعلمهم بالله، وأشدُّهم له خشية» (٢)، وفي الفتح: (.. نقل ابن التِّين عن الداودي أن التنَزُّه عما ترخَّص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الذنوب؛ لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله، وهذا إِلحاد. قلتُ (ابن حجر): لا شك في إلحاد مَن اعتقد ذلك .. فمهما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عزيمة ورخصة فهو في غاية التقوى والخشية) (٣).

وقد طالبنا الشرع بالتعوُّد على القصد والتوازن في أمورنا الحياتية؛ حتى يغدو القصد خُلقًا وطبيعةً، فقد قال ربنا تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٧٦]


(١) فتح الباري ١٢/ ٣٠١ - ٣٠٢
(٢) صحيح البخاري - كتاب الاعتصام - باب ٥ - الحديث ٧٣٠١.
(٣) فتح الباري ١٣/ ٢٧٩.

<<  <   >  >>