للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة».

المجتمع الذي يغلب عليه الطُّهر، لا يطفح فيه من الأخبار إلا ما كان طاهرًا وعفيفًا، ويبقى المسرُّ بالمعصية مستورًا بستر الله عليه، إلى أن يتوب، ويستره المؤمنون؛ لئلا يتجاسر على الجهر بها، أو الإصرار عليها، وليكونوا عونًا له على الشيطان، طالما أسرَّ واستتر.

مثلما استنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث العاصي الفاضح لنفسه، والكاشف لستر الله عنه، فقال: «كلّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» (١)، فقد استقبح أيضًا شأن الفاضح لأخيه، لذلك وصف الله الذين يلوكون أعراض المسلمين بألسنتهم - كما قال تعالى - {يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا ...} [النور: ١٩]، وما زال الوعيد الشديد يتهددهم {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} [النور: ١٩]، ويقابل هذا الوعيد بشارة للذين يكتمون عيوب إخوانهم، بستر الله لهم في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث الصحيح: «ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» (٢).

يقول النووي في شرحه لهذا الحديث: (وأما الستر


(١) صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب ٦٠ - الحديث ٦٠٦٩ (الفتح ١٠/ ٤٨٦).
(٢) أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود (جامع الأصول ٦/ ٥٦٢) وفي صحيح سنن ابن ماجه برقم ١٨٤.

<<  <   >  >>