للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المندوب إليه هنا، فالمراد به: الستر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك، فيستحب ألا يستر عليه، بل تُرفع قضيته إلى ولي الأمر - إن لم يخفف من ذلك مفسدة - لأن الستر على هذا يُطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله، وأما جرح الرواة والشهود، والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام، ونحوهم، فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم، إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة) (١).

ولا يعني ذلك ترك الإنكار على من تستره فيما بينك وبينه، وإذا أنكرت عليه، ونصحته، فلم ينتهِ عن قبيح فعله، ثم جاهر به، جازت الشهادة عليه بذلك - كما أفاد النووي وابن حجر - وفُرِّق بين محلِّ السَّتر والإنكار: (والذي يظهر أن السَّتر محلُّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم) (٢).

ومن أولى الستر: ستر المرء لعيوب نفسه، التي سترها الله عليه، وإن الله عز وجل ليكرمه، لقاء تحرجه من معصيته، واستتاره بها، واستحيائه منها، بن يغفر له: _ كما جاء في الحديث - «إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى


(١) شرح النووي لصحيح مسلم (١٦/ ١٣٥) كتاب البر والصلة - باب ١٥ - من شرح الحديث ٢٥٨٠.
(٢) فتح الباري (٥/ ٩٧) من شرح الحديث ٢٤٤٢ ومثله عند النووي.

<<  <   >  >>