للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في التجارة قبل البعثة: (السائب بن عبد الله) بقوله له: (كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك، كنت لا تداريني ولا تماريني) (١)؛ أي: كنت لا تدافعني في أمر ولا تجادلني، بل كنت شريكًا موافقًا، ولم ينسَها له، وكانت سببًا من أسباب محبته له، وتكون سببًا من أسباب النجاة من النار لمن تخلَّق بها «حُرِّم على النار: كلُّ هيِّن ليِّن سهل، قريب من الناس» (٢).

صاحب السماحة لا يحرِصُ على إيقاع الناس في الحرج، ولا يشغَلُه التفكير بما له عن التفكير بما عليه من سماحة مع إخوانه وتقدير لظروفهم، وفي الحديث الصحيح: أن الصحابي أبا اليسر - رضي الله عنه - كان له على رجل قرضٌ، فلما ذهب لاستيفاءِ حقه اختبأ الغريم في داره؛ لئلا يلقى أبا اليسر، وهو لا يملك السداد، فلما علم أبو اليسر أن صاحبه يتخفى منه حياءً لعدم تمكنه من أداء ما عليه، أتى بصحيفة القرض فمحاها، وقال: «إن وجدت قضاءً فاقضِ، وإلا فأنت في ... حلٍّ» (٣)، وبسماحته تلك أخرج أخاه من الحرج الشديد.

وأبرز مواقف السماحة ما يكون مع مَن أساء إليك، كالذي جرى مع أبي بكر - رضي الله عنه - حين أقسَم ألا يُنفِق على مِسْطَح بن أُثاثة؛ لتورُّطه في حديث الإفك، فأمره الله أن يعفو ويصفح، فكفَّر عن يمينه، وعاد ينفق عليه (٤)، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ارحموا تُرحموا، واغفروا


(١) صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٢٩ - الحديث ١٨٥٣/ ٢٢٩٠ (صحيح).
(٢) مسند أحمد ١/ ٤١٥ - صححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٣١٣٥.
(٣) صحيح مسلم - كتاب الزهد - باب ١٨ - الحديث ٣٠٠٦.
(٤) هذه القصة من حديث الإفك في صحيح البخاري - الحديث ٤٧٥٠ (الفتح ٨/ ٤٥٢).

<<  <   >  >>