للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإنسان بطبعه يحب أن يقابل بالاحترام والإكرام، ويطلب من ربه أن يكرمه. جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهم زِدْنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا» (١)، ألا خابت أمة لا تتبادل خلق الاحترام والتوقير، و «حسب امرئُ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» (٢).

إن من كان في نفسه حقيرًا قد لا يقابل الآخرين بالاحترام، والإكرام، والذي يحترم نفسه يُتوقع من مثله أن يحترم الآخرين المستحقِّين للاحترام، وفي موقف أبي سفيان في جاهليته درسٌ لأصحاب الجاهليات، ولكثير من المسلمين في احترام النفس. إذا أبت عليه نفسه أن يشهد أمام هرقل وأمام الوفد المرافق له من قومه شهادة كاذبة في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية ابن إسحاق يعلل ذلك، فيقول: (فوالله لو قد كذبت ما ردوا عليّ. ولكني كنت امرءًا سيدًا أتكرم عن الكذب، وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبتُه - أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به، فلم أكذبه) (٣).

وأحيانًا يكون الاحترام الشكلي حتى مع من لا يستحق الاحترام لمصلحة شرعية كما كان من مخاطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهرقل بـ (عظيم الروم).

يقول ابن حجر: (لم يُخْلِه من إكرام لمصلحة التألُّف) (٤)، وكثيرًا ما يحتاج المسلمون للتعامل بالاحترام والتوقير لمصلحة وحدة الصف وتوفير الجهود، وتأليف القلوب، وإزالة الدَّخَن، وإغاظة العدو، وبقدر


(١) صحيح سنن أبي داود ١/ ٣١٤ - الحديث ١٤٨٦/ ١٦٧٢.
(٢) صحيح مسلم - الحديث ٢٥٦٤ - ورواه أحمد ٣/ ٤٩١ واللقظ له.
(٣) عن فتح الباري ١/ ٣٥.
(٤) عن فتح الباري ١/ ٣٨.

<<  <   >  >>