للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن نظرت إلى الجميع أعمال المحسن وجدت الإحسان فيها غالبًا، ولذلك أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من خير الناس «مَن طال عمره وحسن عمله» (١)؛ لأن كل زيادة في العمر تغدو لديه زيادة في الأجر والخير.

إن الحياة كلها مجال للترقي في مدارج الإحسان؛ ولذلك كان النهي عن تمني الموت معللًا بما جاء في رواية البخاري: «لا يتمنَّى أحدكم الموت؛ إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب» (٢)، فيسوقه الإحسان إلى التوبة ومحاسبة النفس قبل قدوم الأجل، وحتى صورة القتلة والذبحة - تلك الصورة القاسية بطبيعتها يمكن إشباعها بنفحة إحسان: «وليحدَّ أحدُكم شفرتَه وليُرِحْ ذبيحته» (٣).

ويجمَعُ الغزالي أصول الأخلاق الحسنة في أربعة أخلاق أساسية (الحكمة والشجاعة والعفة والعدل)، فيقول: (في الباطن أربعة أركان لا بدَّ من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق ... وكل من جمع كمال هذه الأخلاق استحق أن يكون بين الخلق ملكًا مطاعًا يرجع الخلق كلهم إليه ويقتدون به في جميع الأفعال) (٤)، فمَن سعى إلى أستاذية العالم لقيادة البشرية فلابد أن يكون مؤهَّلًا بالإحسان في أهم الأخلاق.

ويربط الغزالي في عَلاقة التأثير والتأثر بين حسن الباطن بالطبع، وحسن الظاهر بالتطبع ليصوغ من ذلك منهجًا تربويًّا في إصلاح النفس وترويضها نحو الأحسن، فيقول: (الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة وهي تكلُّف الأفعال الصادرة عنها ابتداءً


(١) مسند أحمد ٥/ ٤٠.
(٢) صحيح البخاري - كتاب التمني - باب ٦ - الحديث ٧٢٣٥.
(٣) صحيح مسلم - كتاب الصيد - باب ١١ - الحديث ١٩٥٥.
(٤) إحياء علوم الدين ٣/ ٤٧.

<<  <   >  >>