للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«مَن أتى إليكم معروفًا فكافئوه».

إنه لمن القبيح أن ينتظر المُحسِن من الناس جزاءً أو شكرًا، وأقبح منه اللئيم الكنود الذي، لا يستشعر فضل المحسن إليه ولا يقابله بالحسنى، وأشد قبحًا من قابل الإحسان بالإساءة والإكرام بالجحود.

وإن مكافأة المحسن خُلق فطري ينشأ من خلق الوفاء، إذ أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، والمؤمن المستقيم لا يكون شاكرًا لله حتى يكون معترفًا بالفضل لأهل الفضل، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (١)، وفي رواية أخرى: «إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس» (٢)، وبهذا نرى أن أخلاق المؤمن لا تكتمل بحسن علاقته بربه فحسب وإنما لا بدَّ أن يكون على نفس المستوى من الأخلاق في التعامل مع الناس.

وليس المؤمن بالجشع الذي لا يهزُّه إلا فيض الإكرام ومزيد الإنعام، بل إن نفحة من الإحسان كافية لأن تُثيرَ فيه دواعي الشكر والمكافأة، وقد وضَّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى بقوله: «مَن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير» (٣).

والشكر اللساني أقل ما يُقدِّمه المرء مكافأة لمن أحسن إليه ووفاءً لمن وقف بجانبه، لكيلا يتعلَّم أبناء الأمة الكفران والجحود، ولئلا


(١) صحيح سنن أبي داود ٣/ ٩١٣ - الحديث ٤٠٢٦ (صحيح).
(٢) مسند أحمد ٥/ ٢١٢.
(٣) مسند أحمد ٤/ ٢٧٨.

<<  <   >  >>