للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن هذه بها» (١)، واعتبر إساءة أبي بكر إليه مغفورة بسابق إحسانه عليه. ولعل هذه الاعتبارات تشيع وتحيا في معاملات المسلمين اليوم.

ولقد كانت المكافأة بالسوء مستنكرة حتى مع البهائم؛ إذ حينما فرَّت امرأة من المسلمين من العدو على ناقة مسلوبة كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نذرت إن وصلت إلى المدينة ناجية أن تنحرها، فلما ذُكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بئسما جزيتِها» (٢)، ومُنعت من نحرها لهذا المعنى ولعدم جواز نذرها بما لا تملك.

وللمحسنين الذين يلقون الإساءة بدل الإحسان عزاء في أن الله ناصر لهم كما جاء في قصة الصحابي الذي جاء يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلًا: «إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم - أي بمثل إساءتهم -» «قال: لا، إذًا تتركون جميعًا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت عليه» (٣)، والكريم لا ينسى الفضل لأهله، ولا يجازي الإحسان بالإساءة، وقد كان من الأجدر بنا ونحن نتحدث عن أخلاق المؤمنين أن نتكلم عن العفو، ومقابلة الإساءة بالإحسان، فذلك هو المقام اللائق بالمؤمنين حقًّا، وحينما استفسر صحابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله الرجل أمرّ به فلا يقريني ولا يضيفني ثم يمرُّ بي أفأجزيه؟ - أي بمثل بخله علي -» «قال: لا، بل أقرِهِ» (٤)، وهكذا يكون


(١) مسند أحمد ٤/ ٣٢٤.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٤٢٩.
(٣) مسند أحمد ٢/ ٢٠٨.
(٤) أخرجه الترمذي برقم ٢٠٠٧ وأحمد ٣/ ٤٧٣ وصححه الأرناؤوط (جامع الأصول ٧/ ٥٧).

<<  <   >  >>