للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان من خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يقبَل الهدية ويُثِيب عليها» (١)، وذلك ضمن الاستطاعة؛ فإذا غدا التهادي نوعًا من التكلف والتقاليد الاجتماعية المرهقة، أو أصبح المهدي يمنُّ أو يتعب على مَن لا يقدر على مكافأته فقد خرجت هذه الأخلاق عن حدِّ الحسن، ودخلت في حيِّز المادية وعدم الإعذار وعدم خلوص العمل بانتظار الجزاء عليه، وهذا من مفاسد التعاملات الاجتماعية حين تفقد الروح الشرعية وإخلاص القصد.

وحين اقترض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عبد الله بن أبي رَبيعة المخزومي قبل حُنَين ردَّ إليه القرض بعد الغزوة، وقال له: «بارَك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد» (٢)، وكلمة شكر وعبارة حمد لا يخسر قائلها شيئًا، ولا تُكلِّفه جهدًا، ولكنها تعود عليه بكسب ود المحسن، وائتلاف قلبه، وتحريضه على مزيد من الخير.

وإن سيدنا موسى عليه السلام حين سقى للمرأتين، ثم تولى إلى الظل لم يلبث كثيرًا حتى لقي جزاء إحسانه من والد المرأتين، الذي أوتي الحكمة، ويدرك ضرورة مكافأة المحسن، فجاءت إحداهما تقول: {... إنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ...} [القصص: ٢٥]، وإن عُروة بن مسعود - رغم شركه - حين أغلظ له أبو بكر بكلمة قاسية في مفاوضات صلح الحديبية لم يزد في تعليقه على كلمة أبي بكر أكثر من قوله: «أما والله، لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها،


(١) صحيح الجامع برقم ٤٩٩٩ (صحيح).
(٢) مسند أحمد ٤/ ٣٦ ورواه النسائي وابن ماجه وابن السني وسنده جيد (بلوغ الأماني ١٥/ ٨٤).

<<  <   >  >>