للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» (١).

وإذا تمكَّنت صفة الأمانة من صاحبها تعامل بها مع القريب والبعيد، والمسلم، والكافر يقول ابن حجر: (الغدر حرام باتفاق، سواء كان في حق المسلم أو الذمي) (٢)، وكذلك حال المؤمن حتى مع مَن عُرف بالخيانة، واشتهر بالغدر كما في الحديث: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» (٣)؛ وذلك لأن خطورة السقوط في الخيانة، وفساد الفطرة بنقض العهد، أشد من مجرد مقابلة الخائن بمثل فعله؛ ولأن السقوط مرة قد تستمرِئُه النِّفس، وتواصل في منحدر الخيانة.

وغدر الكبراء والوجهان وخيانة ذوي الهيئات أفحش وأقبح من انزلاقه العامة، لِمَا يترتَّب على زلة الأوَّلين من مفاسد كبرى.

ويُوضِّح القرطبي هذه المسألة في حديثه عن غدار الأمراء؛ حيث يقول: (قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إنما كان الغدر في حق الإمام أعظم وأفحش منه في غيره؛ لما في ذلك من المفسدة، فإنهم إذا غدروا وعُلم ذلك منهم، ولم ينبذوا بالعهد على سواء، لم يأمنهم العدو على عهد ولا صلح، فتشتد شوكته، ويعظم ضرره، ويكون ذلك مُنفِّرًا عن الدخول في الدين، وموجبًا لذم أئمة المسلمين، وقد اختلف العلماء


(١) صحيح سنن الترمذي - كتاب الإيمان - باب ١٢ - الحديث ٢١١٨/ ٢٧٧٥ (حسن صحيح).
(٢) فتح الباري - من شرح الحديث ٣١٧٨ من باب ١٧ من كتاب الجزية.
(٣) صحيح سنن أبي داود - كتاب البيوع - باب ٤٥ - الحديث ٣٠١٩/ ٣٥٣٥ (حسن صحيح).

<<  <   >  >>