للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل يُجاهد مع الإمام الغادر؟) (١).

وإذا كانت الخيانة من الوضيع مذمومة، فإنها من الوجيه أكثر قبحًا، وتصل الدناءة بالمرء حين تفسد فطرته إلى حال أهل النار؛ الذين عدَّ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والخائن الذي لا يخفى عليه طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» (٢)، وكم تنفطِرُ قلوبنا حين نرى هذه الأوصاف في بعض المسلمين، فيُهرَعون لكل طمع يلوح، ويخونون في سبيله كل وعد مقدس، وكل عِرْض مَصُون.

لا يكفي عديم الأمانة ما يلقاه في الدنيا من مهانة وصغار، وإنما يجدها متمثلة له يوم القيامة عند الصراط؛ لتهوي به من فوق الصراط؛ إلى قعر جهنم؛ لقاء ما ضيّع منها، وفرّط فيها كما في الحديث: «وتُرسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبَتَي الصراط يمينًا وشمالًا» (٣)، وهنيئًا لن قام بحق الأمانة فجرى على الصراط غير هيَّاب ولا وَجِل، والحسرة والندامة - حيث لا تنفع حسرة ولا ندامة - على مَن تساهل فخان، وسقط فغدر؛ لشهوة عارضة، أو لحقد أعمى.

ومن الصور العملية للأمانة: أن تنصح مَن استشارك، وأن تصدق من وثق برأيك، فقد جاء في الحديث: «المستشار مؤتمن» (٤)، «ومَن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه» (٥)، وماذا يكون


(١) الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٣٣ عند تفسير الآية ٥٨ من سورة الأنفال.
(٢) مسند أحمد ٤/ ١٦٢. ورواه مسلم أيضًا.
(٣) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - الحديث ٣٢٩.
(٤) صحيح الجامع - الحديث ٦٧٠٠ (صحيح).
(٥) صحيح الجامع - الحديث ٦٠٦٨ (حسن).

<<  <   >  >>