للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يمكن أن يعتمد على النفعيين والمنافقين؛ لأنهم يفتقدون حرارة الحرص ودافعية الاهتمام، لذلك وصفهم أبو طلحة يوم أُحُد بقوله: (.. والطائفة الأخرى المنافقون، ليس لهم همٌّ إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه، وأخذ له للحق) (١).

إن أصحاب المروءة من أبناء الجاهلية يتعايَرون بالجبن، ويتفاخرون بالشجاعة، ويمثل هذا المعنى الحوار الذي دار بين أبي جهل وعتبة بن ربيعة يوم بدر، حيث قال عتبة: (يا قوم، إني أرى قومًا مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم، اعصبوها اليوم برأسي، وقولا جبن عتبة بن ربيعة - وقد علمتُم أني لست بأجبنكم، فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟! والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعبًا، فقال عتبة: إياي تعير يا مُصفِّر استه؟! ستعلم اليوم أينا الجبان) (٢).

ولأن الجبن شر فقد استعاذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن ..» (٣)، ولقد اعتبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شر صفات الرجال: «شر ما في رجل: شُح هالع، وجبن خالع ..» (٤)، ومثل هذا الجبن الذي يخلع القلوب إنما ينشأ من طبيعة التربية وآثار البيئة، وأمثال المجتمع


(١) صحيح سنن الترمذي للألباني - كتاب التفسير: آل عمران - الحديث ٢٤٠٦/ ٣٢٠٨ (صحيح).
(٢) مسند أحمد ١/ ١١٧، وعن بلوغ الأماني ٢٠/ ٣٢: (قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح، غير حارثة بن مضرب وهو ثقة).
(٣) صحيح البخاري - كتاب الجهاد - باب ٢٥ - الحديث ٢٨٢٢.
(٤) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الجهاد - باب ٢٢ - الحديث ٢١٩٢/ ٢٥١١ (صحيح).

<<  <   >  >>