للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله عنه -: (فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم) (١).

وبتوطين النفس على التميز تتحرر شخصية المجاهد من ردود الفعل الطائشة، ومن إسار التقليد الأعمى.

وحين تزل القدم، وينفلت الزمام، وتجد نفسك قد انحدرت إلى هاوية الإساءة، فبادر إلى إصلاح خطئك بخيرٍ تعمله؛ حتى تمسح آثار الذلة، وتعود إلى فطرة الخير الأصيلة في نفس المسلم، فإن ذلك يعين أخاك على الدفع بالتي هي أحسن، ويصبح مجال التنافس كله في ميدان الإحسان والدفع بالأحسن، وإن سحر الخلق الفاضل ليفوق في كثير من الأحيان قوة العضلات وسطوة الانتقام، فإذا بالخصم ينقلب خلقًا آخر، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: ٣٤] يقول ابن عباس في تفسير الآية: (ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك) (٢)، ويُروى عنه أيضًا قوله: (أمر المسلمين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم) (٣).

وحال الدافعين بالحسنى المحافظة على وقارهم واتزانهم، وعدم الانجراف مع استفزازات المحرشين اللاغين، وقد وصفهم الله عز


(١) صحيح البخاري - كتاب الأذان - باب ٥٦ - الحديث ٦٩٥ (فتح الباري ٢/ ١٨٨).
(٢) تفسير القرطبي ١٥/ ٣٦١.
(٣) فتح القدير ٤/ ٥١٧.

<<  <   >  >>