للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسيئهم» (١).

وهذا ما وصفت به السيدة عائشة رضي الله عنها خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (.. ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح) (٢)، وجاء وصفه في التوراة هكذا، كما في رواية البخاري (٣).

ومن صور الدفع بالأحسن أن تقابل المسيء بالدعاء له، وبهذا فسر أنس قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ حيث قال: (يقول الرجل لأخيه ما ليس فيه، فيقول له: إن كنت كاذبًا، فإني أسأل الله أن يغفر لك، وإن كنت صادقًا فإني أسأل الله أن يغفر لي) (٤)، حتى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استنكر على مَن قال لفاعل كبيرة: (أخزاك الله)، رغم شناعة فعله، وقال: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا رحمك الله» (٥).

ولو كان كل إنسان سيقابل أخاه بمثل شرِّه لتخلي الناس عن خصال الخير، وغدوا في غابة لا ضابط لها ولا رابط، خاصة وأن صور الإساءة قد تغري بالدفع بمثلها - على أقل الأحوال - وقد جاء صحابي يشكو: (يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأُحسِن ويسيئون، أفاكافئهم؟ قال: «لا، إذًا تتركون


(١) صحيح البخاري - كتاب الجمعة - باب ٢٩ - الحديث ٩٢٧ (فتح الباري ٢/ ٤٠٤).
(٢) صحيح سنن الترمذي للألباني - كتاب البر - باب ٦٨ - الحديث ١٦٤٠/ ٢١٠٢ (صحيح).
(٣) صحيح البخاري - التفسير - سورة ٤٨ - باب ٣ - الحديث ٣٨٣٨ (فتح الباري ٨/ ٥٨٥).
(٤) تفسير المراغي ١٨/ ٥٤، عند شرحه للآية ٩٦ من (سورة المؤمنون).
(٥) مسند أحمد ٢/ ٣٠٠، ورواه البخاري في الحدود باب ٥ - الحديث ٦٧٨١ (الفتح ١٢/ ٧٥).

<<  <   >  >>