للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال أبوك حذافة! قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني! سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربّاً، ‍‍‍‍ وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى والذي نفس محمد بيده! لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً، في عُرْض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشر!» (١).

فتأمل هذا المشهد: كيف لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يسأل شيئاً؛ إذ رأوا أمارة الغضب عليه صلى الله عليه وسلم، إلا رجلين: أحدهما سأل عن مدخله، فأجابه: النار، والعياذ بالله! والآخر انتهز الفرصة -رغم هول الموقف- فقال: (من أبي؟) فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: «أبوك حذافة»، إن الإحساس بانقطاع النسب عقدة اجتماعية، سببها الإحساس بالجهل بالذات اجتماعيّاً، لا وجوديّاً؛ ولذلك فقد جاء في رواية مسلم لهذا الحديث: (فأنشأ رجل من المسجد كان يُلاحَى فيدعى لغير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟)؛ أي أنه كان إذا خاصمه أحد من الناس؛ سبه وعيره بنسبته إلى غير أبيه! فكان ذلك يحزنه ويعقده، فلم يستطع أن يكتم رغبته الجامحة في معرفة حقيقة نسبه، رغم ما شهد من رهبة اللحظة، وخوف الصحابة من غضب النبي صلى الله عليه وسلم! وكم شهدنا من الناس من أنفق ما أنفق من الأموال والأعمار؛ من أجل


(١) رواه مسلم. (٤/ ١٨٣٢).

<<  <   >  >>