للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

و (الخلق) مفهوم من أغرب مفاهيم القرآن العظيم، ومن أكثرها استعصاء على الفهم والإدراك، فهو دال عموماً على: التكوين والإنشاء؛ إبداعاً واختراعاً؛ أي أنه خلق الخلق على غير مثال سابق، فتأمل هذه الحقيقة أولاً: (على غير مثال سابق) إنه تعالى فَطَرَ خلقه، وأنشأهم ولم يسبق له في ذلك نموذج يحتذى، فسبحانه وتعالى من خالق عظيم! فلقد كان تعالى ولم يكن قبله شيء، هو الأول بلا بداية، وهو الآخر بلا نهاية، جل شأنه وتعالى جده، ولا إله غيره. تأمل كيف كان خلق الكون؟ كيف كان العدم -وما العدم؟ - ثم كان الوجود بأمر {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:١١٧].

ثم تأمل كيف كان خلق آدم عليه السلام؟ كيف صنع الله من الطين المتعفن بشراً سويّاً؟ يفيض جمالاً وحيوية، عجباً، عجباً! كيف كانت كتل الطين في جسم آدم تتحول إلى شرايين، وشعيرات دموية، وعظاماً ولحماً طريّاً؟ عجباً، عجباً! كيف تحول الصلصال في محاجره عليه السلام بصراً يبرق، ويشع بنور الحياة، ويرى الألوان والأشياء، ويسيل بالدموع فرحاً وحزناً؟ عجباً، عجباً! كيف تَخَلَّقَ الترابُ في جمجمته دماغاً مائعاً مارجاً؟ متكوناً من ملايين الخلايا اللطيفة الحساسة، تجري شعيراتها بالدم الدفاق، وتختزن ملايين المعلومات والذكريات، وتتأهب للتفكير في أدق الخطرات والنظرات؟ عجباً، عجباً!

ثم تأمل: كيف جعل من الطين والماء نباتاً جميلاً، فصارت

<<  <   >  >>