وكم أخطأ الناس في هذا الزمان في فهم معنى (الدنيا)، إذ ظنوا أنها دالة على الجمال، والغنى والرفاه؛ حتى جعلوا من أسماء بناتهم (دنيا)، وما هذا التعبير بدال على المدح، بل له دلالة قدحية ناقصة، فالدنيا -بهذا السياق خاصة- من الدنو والدناءة، وهي معنى نازل لا علو له؛ ولذلك قيل لسيء الأخلاق: دنيء؛ أي له أخلاق منحطة قريبة من الأرض، فالدنيا: حياة قريبة من الفناء، لا لذة حقيقية فيها ولا متعة، ما دام كل شيء فيها إلى فناء. فهي دنيا.
ومن هنا سمت العرب أبناءها -قبل الإسلام وبعده- (خالداً) و (خالدة)، إذ رغبوا قبله في الخلود الدنيوي، وهو محال؛ لأن الضدين لا يجتمعان، ثم رغبوا بعده في الخلود الأخروي السعيد، وهو ممكن بإذن الله.
إن بناء الكون الدنيوي له ساعة ينهار فيها، ثم يفنى بإرادة الله، فلا يبقى شيء إلا الله الواحد الأحد، وهذه الساعة هي (الساعة) بتعبير القرآن، ذلك الحدث الكوني العظيم، سألتك بالله أن تتدبر قوله عز وجل:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَاتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:١٨٧]، ذلك هو السؤال الأزلي: الساعة؟ فلم يزل الإنسان مذ كان يتوجس وقوعها، ويتحسس وقتها وحقيقتها، لكن الله جل جلاله أنبأه أنها سر من أسرار قضائه الكوني: