قال الشافعي: لم أعلم مخالفًا من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم انزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية، وأن قول الله تعالى:(فأحكم بينهم أو أعرض عنهم)[المائدة: ٤٢] إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا الجزية ولم يقروا أن يجري عليهم حكم: انتهى كلام الشافعي.
وقال الواقدي عن ابن كعب القرظي: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وادعته يهود كلها، فكتب بينه وبينها كتابًا، وألحق رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قوم بحلفائهم، وجعل بينه وبينهم أمانًا، وشرط عليهم شروطًا، وكان فيما شرط أن لا يظاهروا عليه عدوًا، فلما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بدر وقدم المدينة بغت يهود وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد. انتهى.
وجعل الواقدي هذا سبب غزوة بني قينقاع، وأنها متقدمة على قتل كعب بن الأشرف، وغيره يجعل قتل ابن الأشرف قبل غزوة بني قينقاع.
ونعود إلى كلام أهل السير في كعب بن الأشرف بعد أن ثبت أنه كان من ملة الموادعين، والموادع دون الذمي، فإذا قتل الموادع بالسب فلأن يقتل الذمي أولى، لأن الذمي التزم بجريان الأحكام عليه بخلاف الموادع كما أشار إليه الشافعي في هذا الكلام في أن التخيير في الحكم: في الموادع، يعني بخلاف الذمي، وليس هذا موضع تحقيق ذلك، إنما المقصود أن ابن الأشرف ما كان حربيًا.