فهذا ـ والله أعلم ـ وما أشرنا إليه من أن التخيير إنما يكون في الكفر الذي لم ينضم إليه غيره: يقتضي أن من كان من الأسراء حصل منه ذلك تعين قتله إلا أن يسلم، وإن كنت لم أر ذلك منقولاً إلى طرفًا منه، فقد ذكره أبو العباس ابن تيمية الحنبلي، وقال: إن المتقدمين وطوائف من المتأخرين ـ يعني من أصحابهم ـ قالوا: هذا ـ يعني الساب وغيره من ناقضي العهد ـ يتعين قتلهم كما دل عليه كلام أحمد، وذكر طوائف منهم أن الإمام يتخير فيمن نقض العهد من أهل الذمة كما يتخير في الأسير بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بعد أن ذكروه في الناقضين للعهد، فدخل هذا الساب في عموم هذا الكلام وإطلاقه، وأوجب أن يقال فيه بالتخيير إذا قيل به في غيره من ناقضي العهد، لكن قيد محققو أصحاب هذه الطوائف ورؤوسهم ـ مثل القاضي أبي يعلى في كتبه المتأخرة وغيره ـ هذا الكلام وقالوا: التخيير في غير ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما سابه فإنه يتعين قتله، وإن كان غيره كالاسير، وعلى هذا فإما أن لا يحكى في قتله خلاف لكون الذين أطلقوا التخيير في موضع قالوا في آخر بأن الساب يتعين قتله، وصرح رأس أصحاب هذه الطريقة بأن مستثنى؛ أو يحكى فيه وجه ضعيف. انتهى كلامه.
والصواب أنه لا يحكى فيه خلاف، لأن المطلقين لا تنسب إليه مخالفة حتى تتحقق، فإذا قام الدليل على التقييم وجب اتباعه والاقتصار عليه.