فألق على الحرف نقطة، وإذا [كسرت] فاي فألق تحت الحرف نقطة. فشكل المصحف كله على ذلك، وهي سنّة باقية. [ثم] وضع الخليل صور الشكل، فجعلها مفاتح مستغلق الكلام، ومترجم معاني متشابهة، وهي تسعة أوجه: ضم وفتح وتسكين وهمز وتشديد ونصب منون ورفع منون وجر منون. ثم صنع سيبويه الكلام على ثمانية مجار، ولقبها بثمانية ألقاب: رفع وضم، ونصب وفتح، وجر وكسر، وجزم ووقف.
وأخذ ذلك البصريون عن الخليل؛ فهو الإمام فيه، وله فضيلة السبق عليهم. وهذا إنما أحدثه المحدثون؛ فأما العرب العاربة فما كان بهم حاجة إلى معرفة نحو ولا عروض؛ إذ كان [لسانهم] فصيحاً، وكلامهم صحيحاً خلقة، طبعهم الله تعالى عليها، وفصاحة أبانهم الله بها، فكانوا بذلك أغنياء عن تعلم النحو، متكلمين بأصح كلام وأفصحه، وأوضح بيان وأملحه. وكانوا لصحة ذوقهم لزنة الشعر أغنياء عن تعلم العروض. وكانوا مصححين للكلام غير مصحفين، ومعربين غير لاحنين، لساناً عربياً، وبياناً طبعياً. وكان اللحن عندهم بمعنى الصواب، كما هو عند غيرهم بمعنى الخطأ. وقد أفردت له فصلاً يأتي بعد هذا إن شاء الله.
وقد قالت الشعراء في مدح النحو فأكثروا، وكل ذلك حضاً منهم على معرفة العربية، والنطق باللغة اليَعْرُبية؛ فمن ذلك قول بعضهم:
النحو يصلح من لسان الألكن ... والمرء تعظمه إذا لم يلحن
لحن الشريف يحطه عن قدره ... فتراه يسقط من لحاظ الأعين