فما جاء عنهم من ذكر الجزاء على الفعل بمثل لفظه نحو قوله، عز وجل:{إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}.
وكذلك:{فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}. و {مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}. و {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}. كل هذا لا يجوز على الله، سبحانه، حقيقة، ولكنه جائز على مذاهب العرب في سعة لغتها، يذكرون الشيء بسببه وبما قرُب منه؛ فسمّى، عز وجل، عقوبتهم على استهزائهم استهزاءً، إذ كان من سببه.
وكذلك المكر، هو منه تعالى عقوبة، فسماه باسم مكرهم. والسيئة هي من المبتدئ سيئة، ومن الله تعالى جزاء.
وقوله تعالى:{فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}؛ فالعدوان الأول ظلم، والثاني جزاء. والجزاء لا يكون ظلماً، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
وقيل لجرير: لم تهجو الناس؟ فقال: إني لا أبتدي، ولكني أعتدي.
ومنه قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"اللهم إن فلاناً هجاني، وهو يعلم أني لست شاعراً فأهجوه. اللهم العنْهُ عدد ما هجاني به، أو مكان ما هجاني". أي: جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} قيل: تركوا أمر الله فتركهم من رحمته.