قال اللغويون: معناه: أمّا بَعْد الكلام المتقدم فحذفوا ما كانت بَعْدُ مضافةً إليه فضُمَّت، ولو تُرك الذي هي إليه مضافة لفُتحت كقولهم: أمَّا بَعْدَ حمد الله والصلاة على نبيه فإني أقول كذا وكذا، لا يجوز ضمها في هذا الكلام، فإذا أُفرِدت ضُمَّت. قال الفراء: وإنما اختاروا لها الضم لتضمنها معنيين: معناها في نفسها، والمعنى المحذوف بعدها فقويت فحملت أثقل الحركات كما قالوا: الخصب حيثُ كان المطر فضموا حيثُ لتضمنها معنى مُحلين كأنهم قالوا: الخصبُ في مكان فيه المطر. وكذلك نحن انضم لتضمنه معنى التثنية والجمع. قال الله تعالى:{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أراد قَبْلَ كل شيء، وبَعْدَ كل شيء فضمها لما حذف الذي كانتا مضافتين إليه. وقال هشام: إنما ضموهما كراهة أن تُكْسَرا فتُشبها المضاف إلى المتكلم، وكرهوا أن يفتحوا فتشبها الاسم الذي لا يجري، الذي يُنْصَبُ في موضع الخفض فضموا إذ لم يبق إلا الضم. وقال البصريون: إنما ضموا لأن هذا الظَّرْفَ مخالفٌ سائر الظروف لقيامه مقام المضاف إليه فبنوا على الحركة التي لا تدخلُ على الظروف لمخالفته إياها وهي الضمة ولم يبنوه على الفتحة والكسرة إذ كانت الظروف تفتح وتكسر فيقال: جلستُ عندك وخرجت من عندك. قال الشاعر:
إذا أنا لم أومَن عليك ولم يكن ... لقاؤُك إلا من وراءُ وراءُ ١/ ٣٣٠