قلنا: هذا ليس بشيء، لأن الخطاب متناول ذات المخاطب، والإسلام والكفر صفتان له فهو وإن أسلم فذاته واحد، وقد اتصل بذاته إلى فعل ما خوطب به فيكون المخاطب هو المتوصل إلى فعل خوطب به في الموضعين وإن بدل وصفه بوصف. وهذا مثل الجنب يخاطب بالصلاة، فإن طريق توصله إلى فعل الصلاة بالاغتسال، وإذا اغتسل لم يكن جنباً ثم هذا لا يدل على أن الخطاب لا يتناوله، وكان طريق تحقيق توجه الخطاب مع تبدل وصفه بوصف الاغتسال هو ما بينا. كذلك هاهنا.
وإذا ثبت ما بينا من توجه الخطاب عليهم فنقول:
المرتد مخاطب بالصلوات في حال الردة ولم يوجد عفو من الشرع في حقه، فإذا أسلم يلزمه قضاء ما فات.
وكذلك نقول في الكافر الأصلي أنه مأمور بالعبادات إلا أنه إذا أسلم سقط عنه بعفو الشرع، وذلك بقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}. وأجمع أهل العلم أن هذا الخطاب للكفار الأصليين.
وهذا لأن الكافر الأصلي عارف بدينه غير عارف بدين الإسلام وقد ادعى من دينه الذي عرفه وتعوده ورأى فيه نجاته ومصلحته ثم دعى إلى دين لم يعرف ما يشتمل عليه فاحتاج إلى نوع ترغيب والطاف لينزع عما كان عليه، ويرغب فيما لم يكن عليه، ومن اللطف المرغب في حقه هو عفو الشرع عنه بعد قبول الإسلام عما سلف منه، فهذا نوع لطف من الله تعالى مع الكفار ليرغبوا في الإسلام ولا ينفروا عنه وهو كسائر ألطافه الخفية الغزيرة.