فأما المرتد فقد كان عرف الإسلام، وعرف ما يشتمل عليه ثم أنه ترك الإسلام وعاد إلى رأس كفره، فكانت الحاجة إلى تشديد الأمر عليه، فيرد أولاً إلى الإسلام شاء أم أبى من غير إمهال وتثبت، ثم لا يعفى عن شيء من الواجبات المتوجهة عليه بل يؤمر بقضائها ولا يحابي ولا يساهل في شيء منها، فإنه قد حصل استعمال اللطف في حقه ابتداء حتى قبل الإسلام ابتداء، فلما لم ينفع اللطف، وقد عاد إلى رأس أمره كانت الحكمة في استعمال العنف والتشديد في حقه، وذلك باستمرار الخطاب عليه ثم بالمؤاخذة بفعل ما يتوجه عليه شاء أو أبى فيحصل بهذا تأديبه وتعريكه، ويحصل بها أيضاً زجر سائل المسلمين عن ارتكاب مثله فعله فهذا هو المعنى المفرق بين الصورتين وهذه حكمة لطيفة من حكم الشيء لا يقع عليه إلا من أمده الله تعالى بنور من عنده.
وإذا عرف هذا الأصل فعلى/ هذا يخرج غيره من المسائل وهو بقاء الواجبات عليه وكذلك بقاء العبادات له، فإن خطاب العبادات إذا استمر في حقه بعد الردة بقيت الواجبات في ذمته، وبقي الحج الذي فعله، والصلوات التي فعلها له مثل ما بقي لسائر المسلمين فلم يؤمر بفعلها ثانياً.
أما حجتهم:
قالوا: الكافر ليس من أهل العبادة فلا يخاطب بالعبادة دليله البهيمة، وإنما قلنا:((إنه ليس من أهل العبادة)) لأن العبادة معنى شرعي يعرف بموجبه وهو الثواب، والثواب هو الجنة، والكافر ليس من أهل الثواب، فلا يكون من أهل العبادة، وهذا كالنكاح معقود للحل، والبيع للملك ثم من لا يكون من أهل الحل لا يكون من أهل النكاح.